الهجرة الاهوارية لازالت مستمرة
تخيل غرفةً متهالكة مبنية بالأسمنت المحلي او الطين تعتليها سقوف الصفيح المعدنية وبابها سياج من القماش او حصير القصب، لاتصلها المياه او الكهرباء او البنية التحتية، ويلهبها الحر في أحد اشد مناطق العالم ارتفاعًا بدرجات الحرارة، هناك يسكن ملايين العراقيين، عادةً ما يكون بجانب البيت حيوانٌ او قطيع منه، الدجاج، والجواميس والأغنام دون شك، او حمار لحمل النفايات التي ستباع لاحقًا، هذه هي ماتسمى بالعشوائيات، وهي منازل تقام بصورة غير شرعية اما في وسط ساحات الأحياء او بقربها، بل وايضًا على ضفاف الأنهار والمشاريع المتوقفة.
عززت سنين من النزاع والجفاف الهجرة نحو المدن الكبرى ولطالما كان هنالك وجهتان رئيسيتان، العاصمة بغداد ومحافظة البصرة الجنوبية، اصبحت عمليات النزوح الواسعة النطاق وتفكّك أنماط الحياة الريفية عاملاً رئيسيًا لإشعال ازمة في العراق، اشد اشكالها في الوقت الحالي ليس بغداد كما كان في الخمسينيات، بل البصرة، وفي بلدٍ اصبحت تتخذ فيه السياسات النيوليبرالية امرًا شائعا، تعاد حلقة العنف دون حلول، وكل يوم، تشتعل موجات الغضب اليومية التي صنعتها مواقع التواصل الأجتماعي محرضةً على قتل وطرد المهاجرين من المدن، تبع ذلك قضايا أمنية وقوانين جديدة بواسطة السلطات، فهي تصنع منهم غطاءً لسياساتها بألقاء اللوم على الهجرة، كمشكلة لا تضع لها حل بس تستغلها مشعلين حرب طبقية تجعل من حياة الفقراء جحيمًا، ومن أجل فهمها علينا معرفة التاريخ الكامن خلفها.
الهجرة الأهوارية
تعود بدايات تلك الهجرة وأصول ظروفها الى مابعد مايسمى "الحملة البريطانية على بلاد مابين النهرين" حيث اصبحت الدولة العراقية الناشئة عدوا لعرب الأهوار، تعرف الهجرة الأهوارية على أنها نتيجة حتمية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي شكلت علاقة الدولة العراقية مع الأهوار وشعبها، في اوائل حكم المملكة الفَتيَّة امتلأ شرق بغداد بالمهاجرين والذين فر معظمهم هربًا من النظام الأقطاعي، ومع ذلك، لا يتم وضع الهجرة الأهوارية في محل التضامن مع قضايا النزوح القسري والتاريخ المظلم للنظام الأقطاعي، يقول حنا بطاطو في كتابه "تاريخ الطبقات والحركات الثورية في العراق" بأن "shrogis” هم أفقر الفقراء، وبهذا يقصد تسمية عرب الاهوار المهينة التي شاعت بعد الهجرة، استمرت الهجرة الى هذا اليوم لتشكل مجمعات سكنية اشبه بالمدن، عالم آخر مختلف أو مدينة صغرى ملاصقة للمدينة الكبيرة، قال بطاطو بأن بؤسهم المفجع بلا شك عامل من عوامل المرارة الكثيفة التي ادت الى الهيجان الجماهيري في ثورة ١٤ تموز التي اسقطت الحكومة الملكية، فهم يسكنون الأراضي القاحلة لعدم قدرتهم على دفع الايجار، يتملكهم الجوع ويموت طفلين من بين كل خمسة، تضطهدهم الشرطة، ويسكنون اكثر من ١٦ الف صريفة أي بيوت حصير القصب بالأضافة الى اكثر من ٢٧ الف بيت طيني في عام ١٩٥٦، مشكلين بذلك ماعرف بمدينة الصرائف الي يقطنها مئات الآلاف، والتي بنيت في عام ١٩٥٩ لتصبح مدينة الثورة، ثم حملت التغيرات السياسية معها لتصبح في نهاية المطاف مدينة الصدر، المدينة الأكثر دموية في تاريخ العراق الحديث.
عمل الرجال في اعمال متدنية لايعملها سكان المدينة، عملت النساء ايضًا في بيع الطعام ومنتجات الحليب، وفي افضل الأحوال لم يكن هنالك مايكفي ليأكلوه، استغلت الحكومة الملكية وجود هذه العمالة وادخلتهم في سلك الشرطة بشكل واسع مستفيدةً من التنافر الذي يكنه هؤلاء الرجال تجاه سكان المدن، تمتلأ احيائهم بالأمراض الفتاكة والتي لاتهتم لها الحكومة، فمدينة الصرائف قد اقيمت على موقع اعتادت بلدية بغداد ان تتخذه كمدفن للفضلات البشرية والحيوانية، ولكن في نهاية المطاف اصبحت الشكوى تزداد من سكان بغداد لايجاد حل لكثرة الامراض التي تأتي منهم، ينقل حنا بطاطو موقفًا في بحث اجراه، فعندما التقى بعدد من رجال الشرطة من الصرائف التي عينتهم الحكومة، اجابه احدهم وهو يتطابق بشدة مؤلمة مع اجوبة الآخرين كما يصف:"عمّي، نريد ان نعيش، منذ اشهر قليلة قتل رجل جاره بالقرب من صريفتنا لأنه فقد حبتي طماطم من كوخه، عمي، كل من يطعمني ويكسبني يكون ابي"، اما ويلفريد ثيسجر، يروي في كتابه "عرب الأهوار" عن الهجرة الأهوارية وانا اقتبس منه، يقول:"في عام ١٩٣٦ كنت في مراكش، وزرت حياً كبيراً للفقراء في ضواحي كازابلاكا يسميه الفرنسيون بيدون فيل، حيث فقراء الأمازيغ يعيشون في اكواخ من صفائح البترول المسطحة، كانوا قد أتوا لكازابلانكا من قراهم الجبلية خلال سنوات الازدهار بعد الحرب الاولى عندما كان هناك طلب كبير للايدي العاملة، ثم في الثلاثينيات حصل هبوط في الاسعار، وفي وقت زيارتي كان هؤلاء الأمازيغ يبحثون في القمامة حول البالوعات ليبقوا على قيد الحياة، كانوا يموتون بالعشرات جوعاً، في العراق ترك اكثر المهاجرين قراهم ليهربوا من استبداد الشيوخ، ولكن في بغداد او البصرة تواجهوا مع البوليس، فحالما ينصبوا بيوتهم من الحصران بين ضوضاء الآخرين في الاراضي الفارغة داخل المدن، ويبدءوا بالشعور وكأنهم في بيوتهم، حتى تصلهم الشرطة مع أوامر بأخلاء المكان، "الى أين نذهب؟" الى أي مكان، ولكن لا تبقوا هنا عودوا لقراكم اذا لاتريدون البقاء هنا، هيا هدموا هذا الكوخ، أسرعوا لدينا أعمال اخرى وهكذا، وبصعوبة كان عليهم التحرك مع ممتلكاتهم الى مكان اخر، ومرة اخرى ستزيحهم الشرطة".
مدينة الثورة
مدينة الثورة هي مايعرف الآن بمدينة الصدر، القطاعات السكنية التي تم بنائها في عام ١٩٥٩ مع احياء مشابهة لنفس التصميم في عموم العراق بعد عام من تأسيس الجمهورية العراقية، والذي أصبح حدثًا يمثل تحولاً نوعيًا لمجموعة عانت من الأضطهاد على يد الحكومة الملكية والأستعمار البريطاني وتحررًا من النظام الأقطاعي الذي كان العامل الرئيسي لهجرتهم من أرضهم التأريخية، قد لا تكون أواخر القرن التاسع عشر هي بداية تكوين هذا التقسيم الطبقي لمجموعة اثنية محددة، ولكن بدايات القرن العشرين هي دون شك بداية ملامح ذلك التقسيم في بغداد كسلطة مركزية لأدارة استعمارية بريطانية، أصبحت "شروگ" طبقة نازحة تقوم بالأعمال المتدنية والمهينة التي لايقوم بها سكان المدينة مثل الاعمال الخدمية والشاقة، في السابق كانت هذه المجموعة في وطنها الأصلي مقتصرة على العمل لدى شيوخ القبائل وفي مجتمعها الذي لزمنٍ طويل كان مبنيًا على هذه التراتيبة في ظل أقتصادٍ زراعي، اما بعد الهجرة خلق هذا التصادم توتر شديد متعلق بالعرق والطبقة في فترة حرجة من تأريخ البلاد، صنع قرن من الحروب والتطهير العرقي تغيرًا مستمراً شديد السرعة بين الطبقات الأجتماعية في العراق، ولكن لطالما كان هنالك هرمية اشبه بنظام طبقات هيكلي ومتجذر يجعل من عرب الأهوار شعبا اقل مرتبة بين شعوب بلاد مابين النهرين، قد يكون في الآونة الأخيرة أفقر الفقراء هم افراد لم نعرفهم ولم يضع عليهم احدٌ ضوء الأعلام، ليسوا من عرب الأهوار ولم نعرف تأريخ هجرتهم ومآسيهم، مثل الامرأة التي نراها في الشوارع تجر حمارًا لجمع النفايات البلاستيكية وبيعها، هنالك مئات الآلاف مثلها، قد تكون غجرية، امرأةً سوداء، او بدوية، ولكن هناك اساس لتشكل هذه الطبقة التي أصبحت تزداد بمرور الوقت، الأساس ذاته الذي بني على الظروف التي عاشها الاهواريون في المدن المنفصلة كونهم اول من قاسى تلك الهجرة.
بعد انشائها، سرعان ما أصبحت مدينة الثورة معقلا للحزب الشيوعي العراقي، مع انتشار مقاومة الانقلاب الذي قاده البعث في عام ١٩٦٣ داخل المدينة نفسها، ابتكر التطور المخطط اليوناني قسطنطينوس أبوستولو دوكسياديس الذي صمم أيضا إسلام أباد والرياض، نظر البعض إلى انتشار الشيوعية في المنطقة على أنه مثير للسخرية، بالنظر إلى كيف اعتبر تصميم دوكسياديس "مناهضا للشيوعية" بهدف تعزيز جو القرية في محاولة لتسهيل سكن المهاجرين القرويين، يصف المعماري لؤي العلي تصميم المدينة في مقالٍ لموقع رصيف٢٢ بـ"الجريمة السكانية"، ويضيف: "هي أشبه بسجن كبير يُراد منه السيطرة على السكان، منازل مرصوفة على شكل مربعات متداخلة، لم تراعِ معايير التهوية والإضاءة، فضلاً عن التطوير في المستقبل، لا يمكنني الجزم بأن الهدف سياسي، لكنه مكّن الحكومات المتعاقبة من إحكام قبضتها على المدينة، ومَنَحها مرونةً في ضبط الأمن وملاحقة المطلوبين، المدينة مصممة وفقاً لما يُسمى علم المستوطنات البشرية، وهو مصطلح يطلق على مدن ليس متاحاً لها أن تنمو بصورة طبيعية".
وفي مقالة بحثية عام ٢٠١٩ بعنوان "عدم التخطيط الحضري: كيف دمر العنف والجدران والفصل العنصري النسيج الحضري لبغداد" يشرح مايكل م. ر. ايزادي كيف ساعدت مشاريع الأسكان وديموغرافيا بغداد على اشعال الحرب الأهلية عام ٢٠٠٦، تظهر الخريطة على اليسار التواجد الديموغرافي للمدينة في عام ٢٠٠٥، الأحياء المختلطة، ثم القاعدة، باللون الأصفر، تظهر الخريطة على اليمين كيف كانت تبدو بحلول عام ٢٠٠٧، بعد عامين فظيعين من القتل السني الشيعي: التفجيرات (كما هو موضح بالنقاط الحمراء)، وفرق الموت، والميليشيات، أدت عمليات الإخلاء القسرية وآلاف الوفيات إلى تطهير الأحياء بشكل فعال، لتكون في الغالب شيعية (زرقاء) أو معظمها سنية (حمراء).
ازمة شمال البصرة: النزاع القبلي، سياسات التمييز والعنف المناخي
ربما من المألوف ان تتحول الاحياء الفقيرة حول العالم الى اماكن ترتفع فيها الجريمة والتجارة غير المشروعة، ولكن في العراق هنالك لاعبٌ اضافي، هو سلطة القبيلة، منذ فترة طويلة كان الجفاف والنزاع والتهجير والتدهور البيئي يسفر عن هجرة قبائل الأهوار الى شمال وشرق البصرة، وهنالك ايضًا هجرة لأجل العمل والفرص المعيشية، تقوم بعض هذه المجموعات القبلية بأعتماد وسائل غير قانونية لتأمين الموارد، منها الاقتتال القبلي من اجل الاراضي والموارد المائية، والاقتصاد الغير شرعي، اما الثأر فهو مشكلة لوحده، وقد فاقم ذلك المشاكل الأمنية واثار الرفض المتزايد بواسطة سكان المناطق الحضرية في البصرة لمجموعة تعتبر من الأساس غير مرحب بها، ولكن من الجدير بالذكر وتسليط الضوء على ان اعتماد هذه الوسائل يحظى بتأريخ طويل من التسليح والاضطرابات السياسية، فالقبائل ذاتها كان يتم تسليحها اكثر من الجيوش في فترات تاريخية سابقة، استغلت الامبراطوريتين البريطانية والعثمانية ذلك وتم تسليح قبائل محددة حليفة لكل طرف في الحرب العالمية الاولى، حتى ان اشتكى الملك فيصل الأول ملك العراق بأن الجيش ليس لديه الا ١٥٠٠ بندقية على عكس القبائل التي تم دعم تسلحيها واعطاء شيوخها السلطة على اراضيها في تجربة نظام مقارب للنظام الاقطاعي في بلوشستان تحت الأدارة البريطانية، ولكن تم تقوية الجيش فيما بعد وجعله قوة يمكنها كبح تمرد القبائل والشعوب، واستمرت الحكومات المتعاقبة على تطبيق النظام ذاته الفاصل للقبائل عن باقي السكان لتحكمهم القبيلة بدلاً من القانون في المدينة، ولتدعم الشيوخ وتؤكد على دورهم وسلطتهم في الدستور، تعترف الحكومة الاتحادية ببغداد ايضا في وثيقة التنمية الوطنية (2018 - 2022)، بأن العراق بات ضمن "دائرة علاقة سلبية مزدوجة بين البيئة والنزاعات المسلحة"، فيما حذر خبراء آخرون من وقوع حرب اهلية مقبلة.
لأول مرة وبدءاً من العام ٢٠٢٠، منظمة الهجرة الدولية (IOM) التي تراقب وتتابع تَنامي مصفوفة النزوح الداخلي في العراق بسبب النزاعات المُسلحة، بدأت تُنتج مصفوفات رقمية وتقارير هجرة مُستقلة خاصة بالنزوح على اساس التغيّر المُناخي وندرة المياه وخصوصاً في مناطق وسط وجنوب العراق، فبات من المؤكد في العام ٢٠١٩، نزوح 21.314 شخصاً معظمهم من الأهوار، واجرت المنظمة مسحا على ٨٠٢ من السكان المحليين والمهاجرين في مدينة البصرة الجنوبية لتحديد القضايا الرئيسية التي تعوق قدرة المهاجرين على الاندماج في البيئات الحضرية الهشة بالفعل، وجدت الدراسة المتعلقة بالهجرة إلى البيئات الهشة أنه "استجابة لمظاهر التحضر غير الرسمي الناجم عن تغير المناخ وعدم المساواة في البصرة بالعراق، يميل المهاجرون الذين يصلون إلى البصرة إلى التجمع في الأحياء التي تعاني من مشاكل اجتماعية متعددة تتعلق بالأمن الاقتصادي والسلامة والحصول على الحقوق ونقل العديد منهم إلى ملاجئ عرضة للإخلاء والعمل في وظائف منخفضة الأجر في القطاعات غير الرسمية، أفاد أكثر من نصف الأسر المهاجرة أنها لا تستطيع تحمل تكاليف الغذاء أو المواد الأساسية وأن٥٣٪ منها لا تستطيع الوصول إلى شبكة الأمان المالي، ويميل المهاجرون أيضا إلى الإبلاغ عن استبعادهم من الوصول إلى الخدمات العامة وغيرها من الحقوق، والتي قد تشمل العمل وتوظيف الشرطة وتسوية المنازعات الرسمية وضمانات حقوق الملكية"، ومن ضمن السياسات التمييزية التي أصبحت تتبعها حكومة البصرة هي قانون قيد التنفيذ قد صدر في اوائل هذا العام ٢٠٢٢ وهو رفض اصدار بطاقات سكن للمهاجرين والذي معظمهم من الأهوار بطبيعة الحال.
في الوقت الحالي تتصاعد الهجرة بسبب الجفاف شبه التام والغير مسبوق للأهوار، فنسبة الملوحة في انحاء مختلفة من الاهوار وصلت إلى 12 ألفاً و 600 جزء بالمليون، وهو "مستوى خطير من التلوث الفتاك نتيجة الجفاف"، الذي أدى الى "تسجيل هجرة واسعة للسكان المحليين في الأهوار الوسطى، وبات حيوان الجاموس عُرضة للانقراض"، وفقاً لحديث د. جاسم الاسدي، الاستشاري في منظمة طبيعة العراق المعنية ببيئة الأهوار، يقترح كلاً من مركز رصد النزوح الداخلي (IDMC) والمجلس النرويجي للاجئين (NRC) في تقرير طارئ تسمية اولئك المكافحين ممن يصرون على البقاء في اراضيهم التي تتعرض لندرة مياه وآثار تغيّر مناخي في ثلاث محافظات جنوبية (البصرة، ميسان، ذي قار) بـ(Stayees) والتي يمكن ان تعني (الصامدين) أكثر مما تعني (مقيمين)، وهذا مؤشر على ان المشكلة باتت تتفاقم وتهدد وحدة الأسر، فهناك عائلات بكاملها قد تفككت وانقسمت بين نازحين و(Stayees) ما قد يترتب عليه من مخاطر اجتماعية مستقبلية.
وقد يكون من المفيد بالفعل للحكومة وجود هذه الأزمة، لجعلها حجة عن ازمة السكن والتدهور الأمني، اخلاء المناطق القريبة للحقوق النفطية، وحفظ المياه للمناطق العليا وضمان العمالة منخفضة الأجر من المهاجرين، بل وحتى في التحالفات السياسية بواسطة الأحزاب مع القبائل، فالتعبئة القبلية في الأنتخابات والولاء للزعماء الدينيين والسياسيين هو ظاهرة تستخدمها الأحزاب لأستمالة القبائل الى جانبهم، وفقا لمسح أجرته المنظمة الدولية للهجرة مؤخرا في محافظة البصرة، يرى ٦٥٪ من المستطلعين أن النزاعات القبلية هي أكبر قضية اجتماعية في المحافظة، في الوقت نفسه، أظهر ٤٣٪ و ٤٩٪ من المواطنين المحليين والنازحين على التوالي، الثقة في القبائل كشبكات أمان، مقارنة ب٢٥٪ للمحليين و١٠٪ للنازحين أظهروا الثقة في محاكم المحافظات بدلا من ذلك، بالإضافة إلى ذلك، أظهر ٦٢٪ من السكان والمستجيبين النازحين داخليا في الأصل من محافظات جنوبية أخرى "ثقة إيجابية" في زعماء القبائل - وهو مستوى يتجاوز جميع السلطات الأخرى، وفقا للبيانات التي تم جمعها من مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاع المسلح (ACLED)، زادت حوادث العنف القبلي في العراق بأكثر من الضعف في عام 2020 مقارنة بعام 2019، وارتفع عدد هذه الحوادث بنسبة 70 في المائة في عام 2021 مقارنة بعام 2020. بلغت حصة مثل هذه الحوادث في المحافظات الجنوبية الثلاث البصرة وذي قار وميسان في عام 2020 حوالي 46 في المائة من إجمالي حوادث العنف القبلي في البلاد، وارتفعت حصة المحافظات الثلاث إلى 55 في المائة في العام التالي. شكلت وفيات النزاعات القبلية في المحافظات الثلاث حوالي 30 في المائة من العدد الإجمالي للوفيات المرتبطة بالصراعات القبلية في العراق. تضاعفت حصة الوفيات في المحافظات الثلاث في عام 2021 مقارنة بالعام السابق، في الربع الأخير من عام 2021، انخفضت حوادث العنف القبلي بشكل عام في تلك المحافظات مقارنة بالأرباع الثلاثة السابقة باستثناء ميسان، حيث ارتفعت حوادث العنف القبلي باطراد. في الربعين الأخيرين من عام 2021،
ان كان هنالك مايقال عن هذه الأزمة، فهو بأن الهجرة الأهوارية مستمرة، ينبوع من المعاناة لم ينضب لقرن، اجيال وملايين من الناس يعيشون هذه الدورة الغير منتهية من الفقر والتهجير والعسكرة والظروف الغير انسانية، وترسم شكل وعلاقات البلد الاجتماعية والسياسية، يكمن الحل في بناء هوية غير مفككة، وتمثيل وتنظيم حقيقي من اجل تغيير جذري تجاه شكل تعاطي الدولة لقضية هذا الشعب واستغلال ارضه وحقوقه.