ابناء المياه يتساءلون: هل ستطردونا من ارضنا هذه المرة ايضا؟

waterwondering

"عندما رأيت ارضنا وهي تتهاوى لتصبح صحراء وسراب، بعد ان كانت يد المياه تغمرها مثل حضن أم، شعرت بأن وطني قد اختفى. كل ماعرفته ينهار، ارض منكوبة وهوية مدمرة وثقافة على وشك الاندثار."

يبدو مصطفى هاشم، (٢٠ عاماً) الشاب الأهواري، الذي ترعرع بين القصب والماء، حزينا ويائسًا، ومتخماً بالعجز، فلا يدري ما الذي عليه فعله من اجل بيئته ومكانه الذي يتبخر امامه، وهو غير قادر على حمايته، يقول ان التاريخ يعيد نفسه، وان لربما، لا مفر من مشهد التجفيف، وموت الحيوانات، والقصب، والهجرة الجماعية، ذلك المشهد الذي لحق بكل مفاصل حياته، يجعله اليوم، واضعا يده على قلبه، خشية هجرة جديدة نحو المجهول. 

 

كيف تبدو حياة الأهوار؟ 

مثل مشهد سينمائي حزين، ينتقل ببراعة دون الحاجة لمخرج، سنخبركم عن الأهوار، التي ستظهر لك، بهيئة مسطحات مائية بالغة الجمال، والمساحة، مجموعة من الجواميس التي تبدو سعيدة وهي تغمر اجسادها وسط المياه، بين القصب وضحكات الصغار وقوافل السمك التي تبحث عن شباك صياديها، تجتمع بعض النسوة لصنع الخبز، تبدو بيئة الأهواريين بكل هذه البساطة والسهولة، وبلحظة غير مرئية من الزمن، سيتبخر كل شيء، مع حرارة الطقس، وانقطاع امدادات المياه، ستجف الأرض التي كانت مغمورة بالمياه، ويخرج السمك ليلفظ انفاسه الأخيرة، تقف مجاميع الجواميس، ولا تستطيع التحرك بسبب ترسب الطين، وتموت في مكانها، يتيبس القصب، وتبدو الشمس أكثر قسوة مما كانت، فيما يتطلع ابناء الهور، لحياتهم وهي تنتهي تدريجا، مهددة مكون من مكونات المجتمع العراقي، بالانقراض، ونهاية لحكاية طقوسه وبيئته. 

وعانت منطقة الأهوار في العراق، -كما يوضح الخبير البيئي جاسم الأسدي- وهي مسطحات مائية، موجودة في الجنوب العراقي مذ آلاف السنين-، عانت من التجفيف، بشكل متعاقب وعلى اجيال واسباب مختلفة حتى بعد عام ٢٠٠٣، وتحديداً عام ٢٠٠٩، ٢٠١٥، ٢٠١٨، لكنها اليوم، تواجه موجة تجفيف، تعد هي الاقسى، والاقوى، لتهدد الآلاف من الحيوانات بخطر الانقراض، وبتهجير جماعي لسكانها الذين لا يعرفون شيئا آخر غير هويتهم المائية، بسبب قطع إمدادات المياه من قبل تركيا وإيران، اذ بنت تركيا لوحدها، ما يقارب ٦٠٠ سد على دجلة والفرات، وخفضت حجم امدادات المياه، للعراق، وصارت لا تمنحه حصته المتفق عليها من المياه، فيما تساهم ايران من جهة أخرى، بقطع سريان المياه للروافد العراقية، وتحولها اليها، وسط صمت حكومي عراقي، أمام صراخ ابناء الأهوار ومناشداتهم لانقاذهم من كارثة بيئية، حيوانية، وانسانية بدأت تنهشهم بالفعل، وحتى تظاهراتهم، التي قوبلت، بالقمع، والاعتقالات، وكأن الحكومة تقول لهم" هذا هو الموجود، تقبلوا موت ارضكم، او سنحولها لسجون لأولادكم."  

 

تاريخ من الحزن 

ويوضح مصطفى هاشم، ان لدى عائلته تأريخ من الاضطهاد، كمجموعة تعرضت للأبادة الجماعية في التسعينات، اذ قتل عدة افراد من عائلته وكان عمه من بينهم، وتعرض والده للسجن بعد وصوله للساتر بحثًا عن جواميسه.

 "تم قتل كل الجواميس فيما بعد كتكتيك لأرتكاب مجاعة بحقنا، تم حرماننا من المياه وجفت قرانا في خضم حملة التجفيف والابادة لتتهجر عائلتي قسرياً الى اطراف بغداد ثم الى شمال البصرة وبعدها عادوا الى قريتنا في هور الحويزة، بعد عودة المياه اليه."

 

شكل العراق بدون الاهوار  

وتعد نشأة الأهوار في العراق إلى ملايين السنوات، وتشكل حوالي 2-3 في المئة من المساحة الكلية للعراق ويعيش سكانها بها مذ آلاف السنين، اذ ولوجود المياه، قامت بقربها، احدى اهم الحضارات واقدمها، وهي السومرية، وكانت الاهوار، اكبر نظام بيئي ومائي، في الشرق الاوسط، وتبلغ مساحته نحو 9 ألف كيلومتر في المواسم الاعتيادية وتصل حتى ٢٠ الف كيلو متر في مواسم الفيضان، وتمتد نحو ثلاث محافظات جنوبية هي ذي قار، ميسان، والبصرة، وتعتبر جزء مهماً من طرق عبور الطيور المهاجرة ما بين القارات، ودعم أنواع الحيوانات المهددة بالانقراض، كما يؤكد الخبير البيئي "جاسم الأسدي" وخسر سكان الأهوار  حوالي اكثر من "25 في المئة من قطعانهم من الجاموس، وحوالي 80 في المئة من الأسماك" بحملة التجفيف الاخيرة والتي لا تبشر مطلقا، كما يقول، بعودة الحياة الى هذا المكان المهم  

"الاهوار تعتمد على اذناب المياه فهي تتقلص وتتوسع تبعا للمياه القادمة لدجلة والفرات، كما ان سببي قلة اطلاقات المياه من تركيا، وانشاء القنوات والانفاق من قبل ايران، هما الوحيدين على تجفيف الاهوار، ذلك ان قلة الامطار في العراق، تساهم بزيادة الجفاف، كذلك سوء ادارة وزارة الموارد المائية وعدم التفاف صاحب القرار في وزارة الموارد للاهوار وحصتها كما ورد في دراسة "سويرلي" وليس لديهم سيناريو تخطيطي  للجفاف الحاد ولا تحديث، وما وقع في الاهوار ان حتى حصتها في ادنى كميتها لم تصلها ولهذا خسرنا مساحات هائلة واقتصاديات مستدامة للسكان المحليين" 

 

المسالمون المطاردون 

"يعيش الاهواريون، حياة هادئة منعزلة، لا تعرف للتكلتوجيا مكانا بينها، ما زالوا يطبقون الحياة البسيطة في الكثير من مفاصل حياتهم، وهذا ما يريحهم، ان يكونوا مجموعة معتكفة تمارس حياتها ببساطة، ويعتمدون كلياً، في حياتهم، على المياه، الذي يعتبر بمثابة مصدر دخلهم الأساسي، اذ بوجوده، سيتمكنون من بيع الحيوانات، كجاموس الماء العراقي، والسمك، وتصدير القصب لدول الخليج، يوضح ذلك رعد الاسدي، الناشط البيئي.

" هم يكونون دولة صغيرة داخل العراق، دون الحاجة لرعاية حكومية او رواتب او ميزانية، يعتاش سكان الاهوار، ويعتمدون على الطبيعة وحدها، لكنهم لم يسلموا، من الحكومات الممتدة، وبطشها، وعلى الرغم من سلميتهم، وعدم تدخلهم بشيء، الا ان المشاكل تحوم حولهم، وبشكل مستمر، فكانت، حربهم الوحيدة مع الحكومات، هي حرب مياه لا اكثر، وهم لا يطالبون السلطات، بشيء، سوى، منحهم حصصهم المائية لضمان بقائهم في بيئتهم وعدم اضطرارهم للنزوح كما حصل مع آبائهم، فالماء الحاكم الاول في الاهوار، وهو اساس عيشهم، وانقطاعه يعني موتهم، وهذا ما يحدث لهم، دائما." 

 

تجفيف وتهجير 

وبدأت حكاية مصطفى وعائلته مع التجفيف، كما يوضح بقطع العراق المياه عن الاهوار لتحفظه الحكومة المركزية في المناطق الوسطى التي تعاني من الاساس من سدود تركيا، فيما من جهة اخرى، تقطع ايران عنهم المياه التي تغذي هور الحويزة وباقي المناطق والانهر كسياسة عرقية بالحفاظ عليه في مناطق الاغلبية الفارسية.

"اما الآن، فنعيش ظروف معيشية لا تفرق عن جفاف ارضنا في التسعينات، عندما جفت الأهوار فقدنا كل ما نعيش عليه، القصب الذي نبيعه والاسماك التي نصيدها، لم نعد نستفيد من السياحة، ونفقت جواميسنا التي عرفناها طوال حياتنا، حالتنا المعيشية صارت تنحدر للاسوأ بعدما فقدنا كل عملنا ونعيش الآن على قدر قليل من المال من الرعاية الاجتماعية، كل هذا بسبب الجفاف، لاتكتفي الحكومة بذلك بل اعتقل من يطالب بانهاء هذه الازمة الانسانية".

 

مقابلة التظاهر بالقمع 

واندلعت احتجاجات صغيرة بواسطة مجموعة من الشباب الأهواريين نقل على أثرها عدد منهم الى المستشفى بعد عنف وحشي ومفرط، اذ وجه الشرطة اسلحتهم بوجه المطالبين بتوفير المياه قبل دخولهم بكارثة أنسانية، اذ صرخ احد المنتسبين لجهاز الشرطة على المحتجين بكلمة "معدان" قبل ان ينهال بالضرب عليهم، فيما يقول احدهم "ايعقل اني تركت الغداء بسبب هؤلاء ومطالبهم." 

وتتغاضى الدولة العراقية وترفض ايقاف او تبني موقف ضد القتل المنتظم بواسطة الحرس الايراني للمزارعين الأهواريين الذين يعبرون للبحث عن حيواناتهم التي تهاجر بحثاً عن المياه الى شرق الأهوار اي الجانب الذي تسيطر عليه ايران، يقوم الحرس الايراني بقتل منتظم كل فترة بحق السكان الأهواريين بموافقة عراقية، اما في هذه الأيام فقد حاصرت الشرطة مجموعة من المحتجين ممن استطاعوا عبور الجسور قبل اغلاقها، وعرضتهم للعنف الشديد وتوعدتهم بالقتل بكل صراحة، في الوقت الذي تشتعل فيه احتجاجات في كردستان وبعض مناطق العراق، قد يستخدم القمع الحكومي الشديد لتنفيذ سياسات من شأنها اشعال ثورة عارمة او حرب اهلية واقتتال قبلي في خضم أزمة تعيشها الدولة بالفعل. 

 

 اعتقالات بحق الاهواريين 

عباس احمد، وهو احد سكان الأهوار من الذين خسروا الكثير من ارزاقهم وماتت بعض من جواميس عائلته، يؤكد بإن قطعات القوات الأمنية حاصرت منطقة المعيل في هور الحويزة ونفذت اعتقالات كثيفة ومستمرة لمحتجي الأهوار المطالبين بتوفير المياه وانهاء الازمة الانسانية في الاهوار، فيما اغلقت قوات الجيش، جميع منافذ المنطقة بالكونكريت وانصبت نقاط التفتيش واعتدت بالضرب والاعتقال للمحتجين قبل ان تتصاعد الاحتجاجات مبررة ذلك بأمر من القيادة المركزية".

"مايحدث بحقنا هو عنف حكومي وتهجير قسري وسياسة تفقير من شأنها اشعال حرب، فهم لا يمنحونا المياه لاستمرار عيشنا، لإننا نموت دون الماء، ويرفضون تظاهرنا السلمي، كما ويرفضون حتى هجرة بعض العوائل اليائسة الى مناطق أخرى بحثا عن العيش، ماذا نفعل يا بشر؟ انقذونا اننا نموت!"

 

لم تصر السلطات على القمع؟  

ان الإعلام يرفض سماع رواية المحتجين أنفسهم ويصر على تعتيم الأحداث، لم لايزال المحتجين الأهواريين مستمرين بالاحتجاج؟ يتساءل عباس ويجيب نفسه "لإن السلطات لاتهتم بأرواحهم وتمنع وترفض تنفيذ حلول سياسية جذرية ودبلوماسية مع دول المنبع تركيا وايران اللتان تحتفظان باغلب المياه العراقية، كما ان الحصص المائية العراقية محدودة في المحافظات الجنوبية وعندما أرادت السلطات بأن تعطي البصرة حصتها لضمان عدم حصول ثورة جديدة، قامت بأعطاء الكثير من حصة محافظة ميسان دون ان تستنفذ شيئا من حصص المناطق المركزية، لتجعل انهر العمارة وكل الأهوار وعلى الأخص هور الحويزة محض ارض جافة ميتة، معلنةً عن بدء تهجير قسري جماعي ينبأ عن كوارث ستستمر لأجيال قادمة.

 

الامر ليس جديداً 

 ويرى عباس ان العنف والتمييز الذي يتعرضون له، منهجي، ومتجذر في مؤسسات الدولة، وفي المفاهيم التقليدية الأجتماعية والنظام الطبقي القديم، ومتقاطع مع الأستعمار والبيئة والعرق والطبقة منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى اليوم. 

"ان جدي تعرض للقتل في التسعينيات، فيما تعرضنا نحن لإشعاعات نتيجة القصف الذي لحق بقرانا لتهجيرنا قبل التجفيف الأكبر، حيث اصيب والدي بالسرطان، وتوفي بين جواميسه بعد عودتنا الى موطننا الأصلي، كان يريد ان يموت وسط القصب والمياه، التاريخ يعيد نفسه اليوم مع الجيل الجديد، ارهاب وقمع جديد، وتطهير عرقي، فنحن محاصرين بين الامراض التي ستصيبنا نتيجة تلوث ارضنا وحيواناتنا، وستموت صغارنا هذه المرة نتيجة الإهمال لا الإشعاعات" 

 

هل الاهوار مجرد صور سياحية؟ 

تم نفوق حتى الآن، اربعة جواميس لعباس، يقول انه يعرف مصير البقية الحتمي، لكنه يبكي وكأنها تموت للمرة الاولى، كل مرة، يبكي صغاره معه، وامه تردد النعاوي والمواويل الحزينة، التي تحيل الدمع المتجه الى الارض المتشققة، صخوراً من الهم والأسى 

"المحزن اننا وفي موسم المياه كان الجميع يزورنا من اجل السياحة والتقاط الصور معنا ومع طبيعتنا، لكنهم اليوم غير آبهين بما يحدث لنا، الاهوار ليست معلما سياحيا تراثيا وحسب، انه هوية بشرية لمكون سكنه عبر اجيال واجيال، ونهايته يعني نهاية جزء من هوية العراق" 

  

قرارات حكومية تقتل الأهواريين

 هذا الاضطهاد المستمر، والشعور السيء الذي يلاحق ابناء الأهوار، يتجذر بطريقة يومية، من خلال تصرفات السلطات المحلية، والحكومة المركزية بحقهم، اذ ومنذ عدة ايام قرر وزير الداخلية ايقاف نقل النفوس الى محافظة كربلاء للحد من الهجرة، تقول المصادر بأن هذه القرارات لا تنهي الهجرة لأن عملية نقل النفوس متوقفة من الاساس في العراق الا ببعض الاستثناءات، مطالبين باجراءات أشد للحد من للهجرة وايقاف جميع الاستثناءات. 

كما واعلنت حكومة البصرة على قانون منذ عامين ينص على "لا مزيد من بطاقات الهوية للمهاجرين"، كحل لإنهاء هجرة شعب الأهوار، وبعدها، وضعت الحكومة موجة من القوانين الجديدة ضد المهاجرين الأهواريين في عدة محافظات مركزية.

اكثر من نصف العوائل لا تستطيع تحمل تكاليف الغذاء والمواد الأساسية ولا يستطيعون الوصول لشبكة الأمان المالي، كما تم استبعادهم من الوصول للخدمات العامة وغيرها من الحقوق، والتي تشمل العمل وتوظيف الشرطة وتسوية المنازعات وضمانات حقوق الملكية، يقول مصطفى هاشم الذي يبين ان عائلته اليوم تواجه الموت، وهو بحيرة من امره، ايترك ارضه، وبيئته فيلاقي النبذ والتهميش والعنصرية؟ ام يستسلم وينتظر انقراض بيئته؟ 

 "ترفض الحكومة طلب عائلتي بالحصول على تعويض عن موت عمي، وحتى في العمل والعلاقات الاجتماعية، يلحقني التمييز والأزدراء على اللهجة وعلى كوني من الاهوار، احمل نفسي المسؤولية بأن انقل هذه الأزمة عبر النشاط والأعلام الذي نصنعه في الشبكة الأهوارية لحقوق الأنسان" يقول مصطفى.

ويبين بحديثه ان الحكومة صرحت، انها قد تستوطن النازحين من الأهوار، على جانبي الأنهار بدلا من الذهاب إلى المدن، هذا التمييز المنهجي يسبب ظروف معيشية فظيعة وازمة انسانية، واضرارًا ستستمر لأجيال. مايحدث منذ سنوات للآن هو تغيير ديموغرافي وتدبير هجرة قسرية لشعب الأهوار، وعلى العالم ان يعلم بذلك.

 

الهور الذي مات 

اما مرتضى علي من سكنة هور السناف في ناحية المشرح محافظة ميسان، يتحدث عن عائلته التي تعتمد منذ سنين طويلة على الصيد والزراعة، حيث يعتبر هور السناف هور موسمي يتغذى بشكل كبير من نهر الطيب ونهر الدويريج والسيول في موسم الشتاء ويصب في هور الحويزة.

"عندما يحين موسم الشتاء تعود الحياة إلى هور السناف، كنت بالسادسة من عمري وكان أبي يضعني فوق ظهرة ويذهب مشيا على الأقدام قاطعا مسافة لا تقل عن عشرة كيلو متر، هذه المسافة الطويلة لا أرى فيها غير الماء والطيور والجولان وعدد من الصيادين الجالسين بالقرب من السدة الفاصلة بين الهور ومنطقة المشرح، حيث يتجه ابي يوميا للصيد مع اعمامي، يقضي الليل هناك وبعض الاحيان أذهب معهم لاقضي اجمل الأوقات في الهور، لا زلت أتذكر الهدوء العجيب وصفاء الجو ورائحة الجولان تملأ المكان، كان كل شي هناك جميل" 

ويؤكد مرتضى، ان الشتاء يعتبر موسما مهما لإدخار المال كون ان جميع العائلة تعمل بالصيد، لكن هذا الجمال والخير لم يستمر لهم، هم الأبناء، "نزحت عائلتي من قرب الهور وسكنوا داخل ناحية المشرح، كون ان الهور لم يعد صالحاً للسكن بسبب التهم الموجهه لسكان الأهوار والاعتقلات المتكررة لأبي وعمامي واقاربي، ثم اتجهوا إلى المحافظات الغربية للعمل الشاق في البناء رغم انهم قضوا معظم حياتهم بالصيد، مهنة الأجداد، ما يحدث هو انهم يتم تهجيرنا قسريا وبصورة غير مباشرة للعيش في بيئة مختلفة لا تشبه بيئتنا المليئة بالمياه والقصب، تخيل ان يتم نقلك لبيئة اخرى لا تفكر بالعيش فيها ولا تعرف عنها شيئا ثم يقابلون نزوحك القسري، بعنصرية جديدة وازدراء وحقد لتواجدنا في اماكنهم". 

 

تغيرت السلطة بعد 2003 وكان ابناء الاهوار يتأملون خيرا بالحكومة الجديدة التي بالعادة "تستهجن تصرفات نظيرتها السابقة" وان تفاتح إيران وتركيا على سبيل المثال لإعطاء حصة تنعش هور السناف لكنها لم تفعل تماما، مثل الحكومة السابقة.

"أصبح الهور الآن جاف تماما، واصبحنا نعمل اعمال حرة 

بعدما هاجرنا الهور والجاموس تم بيعه رغم الجفاف، لكن قلوبنا لا زالت هناك في موطننا الأصلي".

ويبين مرتضى، ان ما يحدث بحقهم، هو طمس واضح للهوية الأهوارية، الانسانية والحيوانية، والبيئية، وما هو سوى قمع عرقي "كلما اتذكر، مشهد موت الاسماك، او بيع الجواميس التي نعتبرها جزء من حياتنا وهويتنا، واسترجع صرخات عائلتي، وهم يودعون حيواناتهم المفضلة والتي كانت جزء من العائلة، ابكي، احن لأرضي، اتمنى العودة اليها." 

المواطن الاهواري عباس احمد، ومن وجهة نظره يرى، انه لربما يكون من المفيد بالفعل للحكومة وجود هذه الأزمة، لجعلها حجة عن ازمة السكن والتدهور الأمني، وحفظ المياه للمناطق العليا وضمان العمالة منخفضة الأجر من المهاجرين، بل وحتى في التحالفات السياسية بواسطة الأحزاب مع القبائل، فالتعبئة القبلية في الأنتخابات والولاء للزعماء الدينيين والسياسيين هو ظاهرة تستخدمها الأحزاب لأستمالة القبائل الى جانبهم.

"ان كان هنالك مايقال عن هذه الأزمة، فهو بأن الهجرة الأهوارية مستمرة، ينبوع من المعاناة لم ينضب لقرن، اجيال وملايين من الناس يعيشون هذه الدورة الغير منتهية من الفقر والتهجير والعسكرة والظروف الغير انسانية، وترسم شكل وعلاقات البلد الاجتماعية والسياسية." 

فيما يعارض هذا الكلام، الناشط البيئي رعد الأسدي، مؤكدا ان الحكومة العراقية تواجه ازمة لا تستطيع حتى تبريرها، مع الضغط الممارس عليها لحل ازمة الاهوار "كل القبائل متضررة من التجفيف، ولا توجد خطة لاستغلال اهالي الاهوار، بل ان موضوع المياه هو ارادة خارجية رغما عن السلطات المحلية العاجزة"  ، بينما تخالف الشبكة الأهوارية هذه الرواية بشكلٍ تام.